Sunday, October 21, 2007

,,, قضية ,,, رأي ,,, عام ,,,,

بسم الله الرحمن الرحيم

قضية رأي عام

قضية رأي عام , هي ليست بقضية متهربي الضرائب , أو هاربي القروض البنكية المصرية , كلا , إنها قضيرة رأي عام من وجهة نظر أخرى , بل إنها قضية مجتمع بأسره ..
القضية بسيطة , عرضتها شاشاتنا في رمضان ولا تزال تعرضها , مسلسل قضية رأي عام , بطولة الفنانة الكبيرة يسرا ..مسلسل كنت أتوقعه باهتا , لكن أذهلني , أذهلني بقوة موضوعه , بأهمية قضيته , بمدى جرأته في المناقشة و التعبير ..كثير ما نرى شاشاتنا تعج بالأمور التي أدمنا النقاش حولها , تحدثنا عن مشاكلنا المادية , تناقشنا حول أوضاعنا السياسية المتدهورة , تحدثنا عن قضايا تمس الدين و الأمة , لكن لم نتحدث و بموضوعية عن قضايا تمس أخلاقيات مجتمعنا بمثل تلك الصورة العميقة من قبل .
.المسلسل يتحدث عن جريمة اغتصاب , حدثت لثلاثة سيدات , طبيبة , و تلميذتها , و ممرضة , الطبيبة هي رئيسة قسم في كلية الطب العيني بالقاهرة , طالبتها هي طبيبة في قسم الأطفال , نفس تخصص رئيستها , و أما الممرضة فمهنتها معروفة للجميع ..الأمر يبدو عاديا , جريمة اغتصاب , جميل , سيتم القبض على الجناة و تحقيق العدالة , لكن الأمر ليس هكذا , الأمر أكبر من هذا بكثير , تعاملنا نحن كأفراد مجتمع نحو قضية كهذه , كيف سيكون ؟!
هل سألت نفسك \كِ عزيزي\تي كيف تنظرون كأفراد مجتمع نحو الضحايا ؟! كيف تنظرون للمجرمين ؟!
بكل أسف , و بنظرة واقعية لمجتمعنا المصري , سنجد انه بكل أسف الأمر معكوسا , نظرتنا للمجرمين صارت أقل بكثير من نظرتنا للضحايا , كأن الضحايا هم المخطئون , إنهم حقا مخطئون , كيف , كيف يخطئون ؟! كيف نقول هذا عنهم ؟! كيف نفكر و نقفز لاستنتاجات سيئة مثل هذه ؟!
قضية رأي عام , قضية مهمة لكل إنسان بالطبع , نحن نعبث بأخلاقيات و مبادئ نراها ترسخت في أذهاننا دون إدراك من أي فرد منا بصدقها , تربينا على بعض الأمور الخاطئة , و من بينها , نظرتنا للمجرم و نظرتنا للضحية ..الغريب أن الضحية قد تكون ذات شخصية مرموقة , قد تكون ذات مكانة إجتماعية فريدة , قد تكون حتى أحد أقربائنا , تخيل معي ماذا سيكون شعورك حينها , هل ستنظر إليها بنفس نظرتك ؟! أم ستشعر بغليان في صدرك , و نار حارقة , و يدك تكتوي بنار الانتقام من هذه الجريمة القوية ؟!
لكن كي نكون موضوعيين في تقييمنا للموقف , لا يمكننا الحديث عن هذه القضية دون الانتقال لمسببها , المجرم , كيف تحول شاب في مقتبل عمره , تخرج من كليته , كيف تحول من أداة لتطوير مجتمعه , إلى أداة تخريب و إفساد و نشر الضلال في الأرض ؟!لو تحركنا بعقولنا نحاول فهم عقلية تفكير كل شاب يقدم على أمر كهذا , سنجد أن الغريزة الطبيعية التي تحركه هي موجودة عندي و عندك و عند الجميع , حاجة الإنسان البشري الفطرية منذ أن بدأت الخليقة , لكن لماذا تبدلت الأحوال و صار الأمر بمثل هذه الصورة السوداوية ؟!
إنها سلسلة متتالية , خطأ يؤدي إلى خطأ أكبر منه , أكثر فداحة من سابقه , سلسلة الموت , ليس لنا من طريقة لحل آخر مشاكل السلسلة إلا بالتحرك بقوة لحل أولى مشاكلها , فما هذه السلسلة يا ترى ؟!
إنها معادلة بسيطة : بطالة +فقر+إثارة شهوانية على الفضائيات+كبت سياسي و اجتماعي=رغبة في الثورة +تحرك نحو تغيير الوضع + سخط و غضب على كل شيء =فشل في المحاولات +تعنت لكل محاولة تغيير +محاولة لاشباع الرغبات المكبوتة= قنابل موقوتة ..
فعلا , إنها قنابل موقوتة , الله وحده أعلم بما سيحدث لاحقا , أولاها قد انفجرت في وجوهنا , الاغتصاب , جريمة تحدث كل يوم تقريبا , جريمة تحدث دون أن يكون هناك الرادع الأمني لمن يقوم بها , حين اختلط الحابل بالنابل , ووسط غفلة من الشرطة , استطاع الشباب الضعيف أن يجد ثغرات ليسد عجزه البشري , في ظل رعاية من الجميع و حراسة من الضحايا أنفسهم ..كيف ؟!
الخوف البشري دوما ما يشكل حاجزا جبارا عند كل البشر , الخوف هو من جعل الإنسان يرهب الأماكن المظلمة و لا يقربها , الخوف هو من يجعل الإنسان يرفض الثورة على الأوضاع الفاسدة , الخوف هو من يجعل الإنسان يتخذ الطرق الأكثر صعوبة خوفا مما يوجد في الأكثر سهولة , الخوف هو من يجعل وحوشا آدمية تسير في الطرقات دون أدنى رادع ..
حينما تحدث جريمة مثل هذه , يقف أهل الضحية أمام موقفين لا ثالث لهما , إما الذهاب للشرطة , و إما غلق الموضوع كأنه لم يحدث , تخيلوا , كأنه لم يحدث , كأنها معاكسة بريئة , بالنسبة للأمر الأول , فهو يعني فتح صفحة يتم ذكر و سرد فيها جميع ما حدث , مع إقامة قضية بعد القبض على الجاني , و فيها يتم معرفة الجميع بما حدث .. أي انها فضيحة , و لهذا فيلجأ الغالبية إلى الطريقة الثانية ..
لكن السؤال المهم هنا , كيف يعتبر البعض أنها حادثة و انتهت و يخبئون الأمر ؟! كيف يسمحون لأنفسهم بالتغاضي عن شخص تعدى على حرمات منزل و هتك عرض أقرب الأقرباء لك ؟! البعض يخاف , يخاف , و آه من هذا الخوف ..
لو كانت كل حادثة وقعت , تبعها قضية مع القبض على الجاني , لانتهى الحال بأقل الخسائر في مجتمعنا , لكن بتلك الطريقة السيئة , الخطأ , ثم التغطية على الخطأ , وممن , من أصحاب الحق و المعتدين على حقوقهم , حقا إنها متتابعة طردية لا ينتج عنها إلا نتائج عكسية تماما ..
المصيبة التي لا يدركها هؤلاء , أن الجريمة التي حدثت لا يمكن سترها , فيوما ما لابد من أن تتزوج ابنتهم , يوما ما سيعرف الجميع بما حدث , حينها سيتطور الأمر ليكون هتك عرض الفتاة من الجميع , و معهم حق , من سيصدق شخصا يقول ان السبب كان محاولة اغتصاب قديمة بلا أي دليل مادي ملموس على حدوثها آنذاك ؟! لا أظن ..
الحل بسيط , أن يتم التوجه للإبلاغ عن المجرمين , و التماسك أمام المجتمع اللاأخلاقي الحالي , حتى لا يضيع حقوق الضحية , و حتى لا يواصل الذئب ممارسة عادته الدنيئة ..
لكن هل هذا هو الحل الفعلي ؟! نحن كمن يعطي مريضا حالته ميئوس منها مخدرا كي لا يشعر بالألم حتى يفارق الحياة , و حين يفارقها , فإنه لن يعود , لابد من حل ناجح و فعال لهذه المشكلة , و إلا فنحن لا نفعل شيء ..
الحل هو علاج هذه السلسلة المقيتة منذ البداية , لولا وجود البطالة الفاسدة لصرنا أفضل بكثير , لما كان هناك شباب يقفون بعد تخرجهم بكل أسى و حسرة يندبون حظهم على التخرج , و على التعليم , لما كان هناك شباب ينظرون بكل شغف الدنيا إلى السيقان الرفيعة و الصدور المنتفخة في محاولة بائسة لإفراغ طاقة مكبوتة منذ أزمان و أزمان , لما وجدنا ذئابا تعوي في الطرقات تبحث عن فرائسها ..
الحديث عن هذا الهم يطول ويطول , فقط أثار هذا المسلسل الرائع شجونا و شجونا في داخلي , حتى لم أعرف ماذا أقول , أتمنى أن أكون قد انتهيت مما أردت قوله , لكن لم تنتهِ قضيتنا , فهي قضية رأي عام ..أحمد خشبة ..25-9-2007

1 comment:

أحمد منتصر said...

تمام يا أحمد مقالة رائعة